« يُمنع منعا كلّيا إدخالُ الهاتف النقال أو الحاسوب أو اللوحة الإلكترونية » إلى قاعات اجتياز امتحانات الباكلوريا. هذا القرارُ الوزاري صدر بالجريدة الرسمية عدد 6053، بتاريخ 4 نونبر 2012، يوْمها كان على رأس الوزارة محمد الوفا، ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم تُعلّق لافتة أمام مراكز اجتياز الامتحانات في مختلف ربوع المملكة، تذكّر التلاميذ بالقرار الوزاري، لكنْ، هلْ يتمّ احترامه؟
القاعدةُ العامّة، حسبَ ما عايناه في أحد مراكز اجتياز امتحانات الباكلوريا، أنَّ قرارَ منْع إدخال الهواتف المحمولة إلى الأقسام -كما ينصّ على ذلك القرار الوزاري- لا يُحترم، إذْ يحملُ المترشّحون هواتفهم إلى مراكز الامتحانات، ويحتفظون بها داخلَ جيوبهم إلى أنْ يطلُبَ منهم المراقبون التخلّص منها، فيقومون ويضعونها على مكتب المراقبين، رغم أن القرار الوزاري ينصّ على « إلغاء إدخال الهواتف » كلّيا.
لكنَّ المثير للانتباه، هو أنّ بعْض المترشحين لا يُدخلون الهواتفَ المحمولة إلى الأقسام فحسب، بلْ إنّهم يحتفظون بها حتّى بعدَ أن يطلبَ منهم المراقبون التخلّص منها، وعلى الرّغم من أنّ وزارة التربية الوطنية زوّدت المراقبين بأجهزة « السكانير » لضبْط المخالفين، إلّا أنّ ذلك لمْ يُفلحْ في الحدّ من استعمال الهواتف المحمولة في الغشّ.
هناك من التلاميذ من يملك هاتفيْن، فيتخلّص من هاتفٍ واحدٍ ويضعُه لدى المراقبيْن اللذيْن يتولّيان مهمّة الحراسة، من أجل التمويه، ويحتفظُ بهاتفٍ ثانٍ، وعنْدما تأتي اللجنة المكلّفة بعملية الكشف عن « الممنوعات » لدى التلاميذ، والمزوّدة بجهاز « السكانير »، يقومُ بإخفاء الهاتف المحتفظ به تحت الطاولة، ويجتاز عمليّة الكشف بسلام، ثمّ يمدّ يده ويتناول هاتفه بكلّ اطمئنان.
لكنْ كيْف يستطيع المترشحون أنْ يغشّوا وهمْ يخضعون لحراسة على مدار المدّة الزمنيّة للامتحان؟ هُنا يُطرحُ سؤالُ صرامة المراقبين المكلّفين بالحراسة، فإذا كانَ اللومُ يُلقى في الغالب على المترشّحين، إلّا أنّ بعض المراقبين يتحمّلون المسؤولية الأكبر في عمليّات الغشّ التي تشهدها امتحانات الباكلوريا، إذْ عوض أنْ يسهروا على الحراسة، يدخلون في أحاديث جانبية، وهو ما يُتيح للمترشحين إمكانية الغشّ.
خلال الأسبوع الماضي، وأثناء الامتحان الوطني الموحّد للباكلوريا، وقفتْنا داخل أحد مراكز إجراء الامتحانات على حالة من هذا النّوع من « التساهل » مع الغشاشين، إذْ ظلّت الأستاذتان المشرفتان على الحراسة تتبادلان أطراف الحديث -طيلة المدّة الزمنية للامتحان تقريبا- بجانب باب القسم، فيما كانَ أحدُ المترشحين ينقُل الأجوبة من هاتفه بكلّ اطمئنان دونَ أن يُزعج أحدٌ راحته.
ويحْكي مترشحان (فئة الأحرار) بافتخار أنّهما يُخرجان « الحروز » وينقلون منْها الأجوبة، دون أن يتدخّل المراقبان المكلفان بالحراسة لثنيهم عن ذلك، لكنْ في المقابل هُناك مراقبونَ صارمون، لا يتركون مجالا أمام المترشحّين للإقدام على الغش، إذْ يُخضعونهم لحراسة صارمة. وبيْن التفاوت الحاصل في صرامة الحراسة من مراقبٍ إلى آخر، يُمكن القول، من خلال معاينتنا لأجواء إجراء امتحانات الباكلوريا، أنَّ الحدَّ من الغش، بنسبة كبيرة، ممكن، إذا خضع المترشحون لمراقبة صارمة داخل الأقسام.
عن موقع هسبريس