حذفت وزارة التربية الوطنية حفظ وفهم سورة الفتح من مقررات دراسية تهم مادة « التربية الإسلامية » في التعليم الإعدادي الثانوي، وعوضتها بدراسة سورة الحشر، وهو الحذف الذي برره عارفون بالميدان بكون سورة الفتح تضم آيات الجهاد، فيما سورة الحشر مليئة بآيات « التزكية ».
وتفاجأ أساتذة مادة « التربية الدينية »، التي جاءت في الإصلاح الجديد بدلا عن تسمية « التربية الإسلامية »، بتعويض سورة الفتح في مقرر المادة لمستوى الثالثة إعدادي، بسورة الحشر في مدخل « التزكية »، وهو أحد خمس مداخل رئيسة لتدريس « التربية الدينية » وفق قرار وزارة التربية الوطنية.
وعرّفت وزارة رشيد بلمختار « التربية الدينية » بكونها مادة دراسية تروم تلبية الحاجيات الدينية للمتعلم حسب سنه وزمانه ونموه العقلي والنفسي والسياق الاجتماعي، غايتها اكتساب القيم الأساسية للدين حول قيمة التوحيد، ومداخلها التزكية والاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة.
حذف سور الجهاد
تتمحور سورة الفتح، « المحذوفة » من مقررات التربية الدينية، حول الجهاد من خلال إحدى غزوات الرسول عليه الصلاة والسلام، وموقف بيعة الثبات والموت تحت ظل الشجرة، وحفلت بالعديد من الآيات الكريمات التي تتحدث عن النفير والقتال والجهاد والمغانم.
ووردت في السورة ذاتها آيات من قبيل « قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا »، وأيضا: « وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ ».
ويعتبر سعيد لكحل أن هذا التغيير في مقررات التربية الدينية أمر مطلوب وإيجابي من ناحيتين؛ الأولى أن تسمية المادة بالتربية الدينية تتماشى مع الدستور الذي يقر بأن الدولة تكفل ممارسة المواطنين من مختلف الديانات لشعائرهم، ما يعني الإقرار بتعدد الديانات في المغرب.
ويؤكد الباحث في الحركات الإسلامية، في تصريح له، أن من مزايا هذا التغيير المُحدث في مناهج التعليم الديني أنه يجعل التلاميذ منفتحين على الديانات السماوية الأخرى، غير نافرين منها، ويدركون أن الإسلام ليس هو الدين الوحيد السائد في المغرب.
أما الناحية الثانية، يضيف لكحل، فتكمن في حذف كل ما يمجد الجهاد ويحرض عليه، ومن « شأن هذا التغيير أن يرقى بوعي التلاميذ إلى أن احترام معتقدات الآخرين من صميم الدين وحقوق الإنسان بعيدا عن ثقافة الكراهية وازدراء الأديان »، مبرزا أن مفهوم التربية الدينية أكثر شمولية وانفتاحا من مفهوم التربية الإسلامية الذي يحيل فقط على الإسلام.
نقاش « التربية الدينية »
بالمقابل، سجل الدكتور محمد بولوز، أستاذ باحث في المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، تسرع البعض في وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في استخدام عبارة « التربية الدينية »، باعتبار أن الأنسب تربويا ومسطريا استعمال مصطلح التربية الإسلامية والتعليم الأصيل.
وتابع بولوز، في حديث له، أن « من يراجع الوثائق الرسمية، بدء من الدستور إلى ميثاق التربية والتكوين إلى الكتاب الأبيض بمختلف أجزائه التي دخلت في تفاصيل المواد ومناهجها والذي وقعه أكثر من 500 شخصية، لن يجد شيئا اسمه التربية الدينية، وإنما يجد التربية الإسلامية ».
والعجيب، يضيف بولوز، أن كلمة « الدينية » في الدستور، مثلا، ترد في سياق الحفاظ على حرية غير المسلمين في ممارسة شؤونهم الدينية. ففي الفصل الثالث من الدستور: « الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية »، وفي الفصل 41: « الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية ».
ولفت المتحدث إلى أن تغيير الأسماء وعبارات المواد الدراسية « لا يأتي بهذه السهولة والارتجال، فالأمر بحاجة إلى توسيع المشورة ودراسة الجدوى وإتباع المساطر القانونية والمراسيم المعتمدة واحترام عمل المؤسسات، لأن الشأن التعليمي أحوج القطاعات إلى التريث والإنصات والإشراك ».
بولوز أورد أن تسمية المادة بالتربية الدينية « تفرض التساؤل: أي دين سوف ندرس؟ »، وكذا مصطلحات « التزكية، الاقتداء، الاستجابة، القسط، الحكمة »، تفرض الحديث عن ماهية ومعنى وتعدد التأويل، وتحوّل الأساتذة إلى مريدين ينتظرون من الشيخ الإشارة والبوصلة والمعنى، « فمثلا، كلمة حكمة هل هي سنّة النبي صلى الله عليه وسلم أم هي حكمة اليونان وأقوام آخرين؟ ».
وقال المتحدث إن مؤاخذة أساتذة ومفتشي التربية الإسلامية تنصب على منهجية الاشتغال بالأساس، وإلا فمرونة الإسلام ومفاهيمه وحكمة رجال ونساء المادة الإسلامية كفيلة بتجاوز ما هو سلبي والنفاذ إلى روح المادة ومقاصدها النبيلة، « فليس الدين في أذهان معظم الناس سوى الإسلام ».
وبخصوص حذف بعض سور الجهاد، أفاد بولوز بأنه أصبحت لتلاميذ الإعدادي ست سور بعد أن كانت لهم ثلاث فقط، « ثم القرآن لا خوف عليه فهو محفوظ من رب العالمين، ورواده يزدادون كل يوم، وإن لم يفسر الأستاذ للتلميذ سورة الفتح، فسيجد تفسيرها في فضاءات أخرى، بدء من السيرة التي أصبح لها تواجد أكبر في المنهاج الجديد ».
عن موقع هسبريس