في زاوية بغرفتها في سكن طالبات المدرسة الوطنية لصناعات النسيج والألبسة بمدينة الدار البيضاء تختبئ تفاصيل عالم خاص بنوال علاوي الطالبة في السنة الخامسة.
تسترعي نظرك أوراق مبعثرة فوق المكتب، أقلام من أنواع مختلفة، وغيرها من أدوات وملحقات الكتابة، تزاحمها علب زجاجية صغيرة تحتوي ألوانا بأصباغ مواد سائلة، ومصنوعات جلدية مختلفة الأنواع والأشكال، إلى جانب جلود سمك بأحجام متنوعة جاهزة للتصنيع.
بدت نوال جالسة في مكتبها بوضعية هادئة وكأنها في حالة تأمل، منزوية بنفسها عن صديقتها التي تقاسمها غرفة، تحتمي بدفئها وسكينتها كلما أنهت حصصها الدراسية لتؤلف عالمها وتخطط طريقها.
تقضي ساعات بهذا العمل غارقة في تفاصيله الدقيقة، تتابع بإمعان تصاميم لإكسسوارات خطتها، تدقق في صلابة جلد سمك الذي يشكل المادة الأولية التي ستتدخل أناملها المبدعة في إعادة استخدامها لإخراج وصنع أشكال مختلفة من المنتجات اليدوية.
عملت نوال ابنة مدينة أزيلال في الوسط باجتهاد على مدى شهور لكشف حقيقة إعادة استعمال ما هو مؤهل للرمي بالقمامة للاستفادة منه في مصنوعات يدوية.
أحذية وإكسسوارات بجلد السمك
بفضولها المعهود وطبعها الاستقرائي ظلت تتابع الصيادين في شاطئ سيدي رحال جنوب الدار البيضاء وهم يترصدون أسماكا مرغوبة لديهم لطولها ووزنها، وبحركة دقيقة وسلسة تقوم نساء عاملات بمهن البحر في مكان قريب بتقطيعها وفصل جلودها التي تنتهي في نهاية المطاف إلى سلة المهملات مقابل مبالغ زهيدة.
وفي إثر ذلك استقر تفكيرها على إعادة تدوير هذه المخلفات مساهمة منها في تقديم حلول علمية تعود بالفائدة على البيئة وتدر دخلا إضافيا لهؤلاء النساء.
استغرقت نوال ستة أشهر من البحث والتجربة لتحويل جلد خمسة أنواع من الأسماك كبيرة الحجم (السلمون، سمك موسى، الراية، والميرلا، والحرتوكة « نوع من القرش يعيش بالساحل ») من خلال عدة إجراءات إلى مادة أولية تستعمل في الأحذية والحقائب، أو محافظ صغيرة، وأغطية للهواتف، وذلك بعد دباغته عن طريق وسائل بسيطة وتقليدية بمواد محضرة من أعشاب طبيعية ومحلية مثل الحناء والزعتر.
تتنقل نوال نهاية كل أسبوع إلى سيدي رحال الشاطئ لتتابع مع مجموعة من النساء في بيوتهن الأعمال التحضيرية المعقدة لجلود السمك التي كانت تشتريها بداية من الصيادين والمطاعم قبل أن تحصل عليها لاحقا من مصنع محلي للسمك مجانا.
بدت العاملة سمية سعيدة وهي تحكي كيف تعلمت إلى جانب نوال أسرار إعداد جلد السمك، في بيتها تقوم تحت إشراف نوال بنزع جلده وتنظيفه ثم تجفيفه ودباغته وتليينه بالنقع عبر ثلاث مراحل تستغرق عشرين يوما في محلول خاص تعده بغرفتها في سكن الطالبات.
تسترجع الشابة نوال هذه الجلود مصقولة وبدون أي رائحة، وفي غرفتها تعمل على صبغها من أجل تطويعها في ما بعد أشكالا مختلفة من الإكسسوارات، فيما تنجز خياطتها بالقسم التطبيقي لمدرستها.
جلود الأسماك الصغيرة لا تصلح، فهي تحتاج إلى العشرات من جلود أسماك لا يقل وزنها عن أربعة كيلوغرامات لتصنع منتجاتها، والحقيبة الواحدة تحتاج إلى قطعتين، والحذاء إلى أربع قطع على الأقل.
اهتمام وطلب متزايد
ذات مرة طلبت منها مصممة أزياء التقتها بالصدفة أن تبيعها خمس قطع من جلد السمك مقابل خمسين دولارا للواحدة، كانت لحظة فارقة في حياتها، فأقبلت على رفع وتيرة منتجاتها التي أنفقت على تكلفتها بداية من مصروفها الخاص الذي تتلقاه من والديها شهريا، ولاحقا من المبالغ التي تحصلها من مبيعات مصنوعاتها، بينما تحفظت على حجم الدخل الذي تحققه من هذا العمل.
في معرض القمة المناخية (كوب 22) التي احتضنتها مؤخرا مدينة مراكش جذبت منتجات جلد السمك المتنوعة التي تصنعها نوال الأنظار، كانت مصممته وصانعته، تجلس مرتدية حذاء من جلد السمك وتجيب بابتسامة عن أسئلة الزوار الذين احتشدوا حولها.
حرص عدد كبير منهم على شراء مصنوعاتها، وبدأ الطلب يزداد أكثر على هذا النوع من المنتجات.
علامات كبرى تبدي اليوم اهتماما بما تنجزه نوال التي تطمح إلى توسيع تسويق منتجاتها، وتطوير مشروعها الصغير بعد التخرج نهاية هذا العام. وترى أستاذتها سناء لحرش أنه « ينم عن تطلعات واعدة لأهميته في مجال الابتكارات صديقة البيئة ».
وعبر المدير العام للمدرسة عبد الرحمن فرحات عن فخره بما وصلت إليه الطالبة في مجال بحثها بفضل الكفاءات والمهارات التي اكتسبتها أثناء مرحلة الدراسة، وقال إن تكوينات المدرسة ساهمت في الإدماج الناجح للخريجين بمختلف قطاعات الصناعة والخدمات.
عن موقع الجزيرة نت