بقدر ما طال انتظار إفراج الحكومة عن الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، بقدر ما أثار عدد مناصب الشغل التي تعتزم الاستراتيجية خلقها في السنة استغراب العديد من المتتبعين والخبراء الاقتصاديين، ذلك أن الخطة التي جاء بها وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية تنص على إحداث 200 ألف منصب شغل سنويا في أفق سنة 2025، وهو رقم كبير مقارنة مع القدرة الحالية للاقتصاد المغربي على خلق مناصب الشغل.
وتهدف الاستراتيجية إلى ضمان نمو مستمر للتشغيل، وذلك من خلال تأهيل الرأسمال البشري، وإحداث سياسات قطاعية للرفع من عدد مناصب الشغل التي يحدثها كل قطاع اقتصادي، كما جاءت الاستراتيجية بمجموعة من الخطوات الرامية إلى تحسين إنتاجية الشغل وجعل كلفة الإنتاج أكثر تنافسية، وتمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة لتشجيع المقاولات على إحداث مناصب شغل جديدة.
كما ستطلق الاستراتيجية خطة لتحفيز العاملين في القطاع غير المهيكل على الانتقال في القطاع المهيكل، وذلك من خلال دعم ما جاء به قانون المقاول الذاتي، إلى جانب اعتماد الاستراتيجية في الوصول إلى هدفها على تمويل المقاولات الصغيرة جدا، كما جاءت الاستراتيجية بركيزة جديدة وهي تعزيز مراكز الشغل للقرب، ويتعلق الأمر بمناصب الشغل المرتبطة بتلبية حاجيات الأسر من الخدمات الاجتماعية.
وخصصت الاستراتيجية حيزا مهما للرأسمال البشري، وذلك من خلال التنصيص على تعزيز حضور النساء في سوق الشغل، ثم توفير تكوين مستمر سواء تعلق الأمر بالنسبة للعاملين أو الملتحقين حديثا بسوق الشغل، وضمان الحماية الاجتماعية للعمال.
« استراتيجية متفائلة بشكل كبير » هكذا اختار محمد كريم أستاذ الاقتصاد في جامعة محمد الخامس التعليق على الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، حيث اعتبر أن خلق 200 ألف منصب شغل، يتطلب تحقيق المغرب لنسبة نمو 5 في المائة خلال السنوات القادمة، في حين أن معدل نسب النمو التي من المتوقع أن يحققها المغرب خلال السنة الحالية لن تتجاوز 4.6 في المائة ولا يمكنها أن تخلق أكثر من 150 ألف منصب شغل على أبعد تقدير، وفق معطيات محمد كريم.
وزاد نفس المتحدث أن إحداث 200 ألف منصب شغل « يعتبر غير كافي » لأن المغرب في حاجة إلى خلق 390 ألف منصب شغل سنويا، وهو رقم يتطلب تحقيق نسبة نمو في حدود 6 في المائة وفق تقديره، مشيرا إلى أن إحداث مناصب الشغل في المغرب مازال مرتبطا بقطاع الفلاحة، فكلما حقق المغرب موسما فلاحيا جيدا كلما ارتفعت مناصب الشغل « خصوصا وأن قطاع الفلاحة لا يتطلب يد عاملة مؤهلة ».
ونبه محمد كريم إلى تراجع حصة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الخام وفي قدرته على إحداث مناصب الشغل، « وهذا أمر خطير على الاقتصاد المغربي » حسب تعبيره، لأن القطاع الصناعي هو القادر على خلق مناصب شغل قارة ويوفر للبلد يد عاملة مؤهلة، محذرا في الوقت ذاته مما أسماه « الداء الهولندي » والذي يقضي بأن الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على قطاع الخدمات من فندقة ومطاعم على حساب القطاع الصناعي « ما يجعل الاقتصاد هشا ومعرضا لمخاطر كثيرة ».
ولم يفت محمد كريم أن يشير إلى دور الجامعة في أزمة البطالة التي يعيشها المغرب، « لأن الجامعة لم تعد قادرة على توفير تكوين يتلاءم مع حاجيات سوق الشغل ».
عن موقع هسبريس