يعتبر التعليم الخصوصي شريكا أساسيا للدولة، ومكونا من مكونات المنظومة التربوية، بعد أن بات يشهد، في السنوات الأخيرة، إقبالا متزايدا من قبل الأسر المغربية على الرغم من تكلفته التي ترهق كاهل أولياء الأمور.
وترى بعض الأسر التعليم الخصوصي بديلا أنسب لضمان تعليم جيد للأبناء، عبر الانضباط في الوقت وعدم غياب الأساتذة، وتوفير شروط ملائمة لتعليم يواكب متطلبات العصر، ومنفتح على أنماط جديدة ومتنوعة، تساهم في تثقيف التلاميذ وتطوير ملكاتهم وصقل مواهبهم.
وأبرز محمد أضرضور، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالرباط، المكانة الخاصة والعناية التي يحظى بها التعليم الخصوصي باعتباره شريكا وطرفا رئيسيا إلى جانب الدولة في النهوض بنظام التربية والتكوين وتوسيع نطاق انتشاره والرفع المستمر من جودته وتحسين خدماته، وكذا مردوديته، والمساهمة في الرفع من وتيرة النمو عن طريق الاستثمار والتشغيل وتنويع العرض التربوي.
وذكر أضرضور، في هذا الصدد، بالخطاب الملكي في ذكرى ثورة الملك والشعب، بتاريخ 20 غشت 2012، الذي دعا الحكومة إلى النهوض بالمدرسة العمومية، إلى جانب تأهيل التعليم المدرسي الخصوصي، في إطار من التفاعل والتكامل، فضلا عن التصريح الحكومي المقدم من طرف رئيس الحكومة أمام البرلمان، يوم 19 يناير 2012، الذي يدعو بدوره إلى تثمين دور القطاع الخاص وضمان جودته، عبر تطوير دفاتر التحملات واستقلاله بموارده البشرية عن التعليم العمومي، ليكون مجالا للتشغيل وضامنا لحقوق العاملين فيه.
وأشار مدير الأكاديمية، في تصريح صحفي، إلى أهم الاختلالات المسجلة بالنسبة لمؤسسات التعليم الخصوصي ومنها، على الخصوص، التوزيع الجغرافي غير المتوازن، والتركيز على التعليم الابتدائي، وحاجة بعض بنود القانون والمرسوم التطبيقي للتعديل والتغيير، واعتماده بسلك التعليم الثانوي على خدمات أساتذة من التعليم العمومي، وغياب آليات للتدخل من أجل تحديد أسعار التمدرس والخدمات، وعدم انتظام عمليات التأطير والمراقبة بسبب قلة الموارد البشرية، وتشغيل مدرسات ومدرسين دون خضوعهم لأي تكوين.
وعن إصلاح المنظومة التربوية، أكد أن الطريق لا يزال يتطلب المزيد من الجهد من طرف جميع المتدخلين من خلال التعبئة، وإعطاء الأولية في جميع المخططات والمشاريع التنموية بالجهة للمسألة التربوية والتعليمية، وأن يتواصل الجهد بتوسيع شبكات الربط وفك العزلة على المناطق النائية، ونشر المؤسسات الجماعاتية، وخلق أنشطة مدرة للدخل للفئات المعوزة، وتوسيع مبادرة تيسير لتشمل باقي الفئات المعوزة.
ودعا، بالمناسبة، إلى التعبئة الاجتماعية حول المسالة التعليمية، وتشجيع سلوك التغيير بنهج المقاربة التشاركية وتحفيز جميع المتدخلين في قطاع التعليم على الانخراط في مشروع الإصلاح من أجل الرفع من جودة التربية والتكوين وتوفير الموارد البشرية الكافية وتوفير فرص الشغل أمام شباب المنطقة الحاملين للشهادات العليا.
وفيما يتعلق بمدى استطاعة التعليم الخصوصي، بالجهة، تحقيق الأهداف المتوخاة، قال إنه لا يزال في بداية مشواره وأمامه تحديات كبرى تتمثل في « نقص في الأطر التربوية المؤهلة التي تستجيب لطلب الشركاء، ونقص في البنيات التحتية، وعدم تغطيته لأهم المراكز بالجهة، وعدم قدرة الأسر على تسديد نفقات التعليم بالمؤسسات الخصوصية، وعدم تقديم الدولة للمساعدات المادية أو العينية لتشجيع القطاع ».
وفي هذا الصدد، عبرت « خديجة.م »، ربة البيت ذات الـ30 سنة، عن ارتياحها لاختيار تعليم أبنائها في مدارس خصوصية، معللة ذلك بأنه « تعليم يقدم كل الاحتياجات الأساسية خاصة فيما يتعلق باللغات والأنشطة التي تنمي مدارك الطفل ومهاراته ».
وترى أن « الساعات المعتمدة لتعليم اللغة الفرنسية بالقطاع الخاص ضعف ما هو معتمد بالعمومي، إضافة إلى تمكين التلاميذ من تعلم اللغتين الإنجليزية والإسبانية في وقت مبكر خلافا لما هو موجود في العمومي حيث أن أغلبية التلاميذ يواجهون مشاكل كبيرة في ضبط اللغات التي تشكل أساس المستقبل والتي تعتبر ضمن متطلبات سوق الشغل »، مشيرة إلى أن الأغلبية الساحقة من أبناء أسرة التعليم يدرسون أبناءهم بمؤسسات خاصة وهو أبلغ دليل على جودته.
أما « أحمد.ب »، وهو في عقده الرابع، فقد عبر عن ارتياحه لكون أبنائه يتابعون دراستهم في مؤسسات التعليم الخصوصي التي التحقوا بها في سن مبكرة على الرغم من الأقساط الشهرية التي تثقل كاهله وترتفع سنة بعد أخرى، فضلا عن أسعار الكتب الباهظة.
وقال إن ما يشجع أكثر على هذه المؤسسات هو « التزام المدرسين بالحضور مما يمكن التلاميذ من استكمال برامجهم التعليمية بشكل طبيعي خلافا لما تشهده مؤسسات التعليم العمومي من توقفات متتالية عن الدراسة، وانتشار ظاهرة الساعات الإضافية بشكل فظيع وكذا ظاهرة الاكتظاظ داخل الفصل (حوالي 50 تلميذا) مقابل (20-28 بالتعليم الخصوصي) ».
وفي المقابل يرى « خالد.ب »، المستهل لعقده الخامس عمرا، أنه فضل دائما التعليم العمومي لأبنائه لكونه لم يتأسس على الربح المادي بل على المجانية وتكافؤ الفرص، معتبرا أن هذا النوع من التعليم أخرج أطرا متميزة منذ استقلال البلاد مشهود لها بالكفاءة والحكامة والمسؤولية. واعتبر، بالمقابل، أن التعليم الخصوصي غالبا ما يعمد إلى « نفخ النقط للتلاميذ كأسلوب للاحتفاظ بهم واستقطاب آخرين دون مراعاة متطلبات الجودة والضمير المهني ».
أما صابر، في عقده الرابع، فيرى أنه ليس هناك فرق ما بين التعليم العمومي والخصوصي خاصة أن الآباء أصبحوا على الرغم من أداء مصاريف الدراسة شهريا مجبرين على مساعدة أبنائهم على إنجاز التمارين التي يعجزون عن إنجازها بالمنزل خاصة في مادة الفرنسية، ما يتطلب منه قضاء ساعات طوال بالمنزل لإعادة شرح ما تم تلقينه لابنه في المدرسة، مضيفا أن بعض الآباء يفضلون الاستعانة ببعض أساتذة الدعم.
وحسب معطيات للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين يبلغ عدد تلاميذ التعليم الخصوصي برسم الموسم الدراسي 2015 – 2016، حوالي 103 ألف و400 تلميذ وتلميذة، موزعين ما بين التعليم الابتدائي 72 ألف و496 تلميذ وتلميذة، والإعدادي 19 ألف و37 تلميذ وتلميذة، والتأهيلي 11 ألف و867 تلميذ وتلميذة.
و.م.ع