على بعد أقل من أسبوع على تاريخ انطلاق امتحانات البكالوريا (دورة يونيو 2016)، والتي ستجرى وسط إجراءات جديدة اتخذتها “وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني” لأول مرة بتنسيق مع “وزارة الداخلية”، تفادياً لتسريب أوراق الامتحانات أو النيل من مصداقية شهادة البكالوريا. في هذا السياق، يكشف محمد الساسي، مدير المركز الوطني للامتحانات والتقويم بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، في حوار خاص مع جريدة “كشك” الإلكترونية، كل ما يمكن معرفته عن هذا الاستحقاق الوطني، بدءاً من تأمين فترة الإعداد لأسئلة الامتحانات، والعقوبات الزجرية المنتظرة في حق الغشاشين، وكذلك جواب الوزارة على منتقديها في تدبير هذا الاستحقاق الوطني الهام.
* على بعد أقل من أسبوع على انطلاق امتحانات البكالوريا الجهوية والوطنية لدورة 2016، كيف تجري الأمور هنا في مركز الامتحانات بالرباط لتحضير أسئلة الامتحانات؟
بداية، يجب الإشارة إلى أن عملية التحضير للامتحانات هي عملية ضخمة تنطلق في وقت مبكر من السنة الدراسية وليست وليدة اللحظة، إذ تضطلع أطر تربوية تابعة للوزارة وذات خبرة عالية بمهمة الشروع في إعدادها، مع الإشارة أنه يتم الاستناد إلى تقييم اختبارات السنة الماضية، على مستوى أداء وأجوبة التلاميذ، وهل اعترت المواضيع نقائص، وذلك من أجل أخذها بعين الاعتبار في وضع أسئلة السنة الجارية.
وهنا، يجب الإشارة إلى أن اللجان التي تشرف على صياغة الامتحانات، هي لجان وطنية يتم انتقائها من الأطر الأكثر خبرة والمتخصصة حسب مجالات المواد المقترحة في الامتحانات، (ما يفوق 31 لجنة، وكل لجنة لها تخصصها في مجال محدد)، وتعتمد هذه اللجان في وضع المواضيع على الأطر المرجعية، إذ أن الوزارة منذ عام 2006 وضعت آلية جديدة للتعاقد فيما يتعلق بامتحانات البكالوريا. في السابق، كان يتم تكليف اللجان الوطنية لإعداد المواضيع وفق كامل الصلاحيات، ولكن اكتشفنا أن هذا الأمر غير منصف للتلاميذ، إذ كانت هذه اللجن تركز على مواضيع معينة من المقرر وتغفل أخرى ولا يتم إدراجها في الأسئلة، لهذا كان من الضروري إعادة هيكلة طريقة التحضير للامتحانات، حيث تكون للجان الوطنية شبه صلاحية لاقتراح المواضيع، وقبلها تكون قد انطلقت عملية إعداد اقتراحات الأساتذة لمواضيع الامتحانات على مستوى جميع الأكاديميات، هاته الاقتراحات يتم دراستها من طرف مفتشين متخصصين، وبعدها تحال على اللجان الوطنية للاستئناس بها في إعداد المواضيع.
* هل هناك فضاء آمن داخل المركز الوطني لتحصين المواضيع التي تعدها اللجان الوطنية؟
أولا، يجب الإشارة إلى أن اللجان تلتقي 6 مرات هنا في المركز على امتداد السنة الدراسية، وأؤكد أنه لا يتم الاشتغال على هذه المواضيع إلا داخل المركز، وعندما تنتهي تغادر وتترك جميع المواضيع داخل خزانات حديدية بقاعات محصنة، وهناك نظام خاص لرصد كل من فتح أو اقترب من هذه القاعة.
بالإضافة إلى كل هذا، أدخلنا إلى طريقة الإعداد “مرحلة الرجح”، أي أنه يحضر عضوان متخصصان من خارج اللجنة ومن نفس التخصص في جلسة خاصة تسمى “جلسة الرجح”، ويقومان بإلإجابة على الموضوع من ألفه إلى يائه، وذلك للتأكد ما إن كانت هناك معطيات غير دقيقة أو أسئلة غامضة، وذلك للوقوف على أن الموضوع يغطي المقرر الدراسي والزمن الكافي للإجابة على أسئلة الامتحان، ولتفادي أيضا بعض الاشكالات التي كانت تقع خلال الامتحانات، مثل الوقت الكافي والأسئلة الخارجة عن المقرر، أي أن عملية الرجح يتم فيها تجريب قبلي كل ما يمكن أن يواجهه المترشح خلال يوم الامتحان، وهنا اللجنة ملزمة بالأخذ برأي أعضاء لجنة الرجح، وبعدها يتم تسليم أوراق الامتحانات إلى مدراء الأكاديميات هنا في مركز الامتحانات ، وتنقل المواضيع إلى الأكاديميات التي تتولى طبع الأوراق وفق عدد المترشحين.
* رغم كل هذه الإجراءات التي ذكرتم، كشف وزير التربية الوطنية والتكوين المهني الأسبوع الماضي، أن تسريب مادة الرياضيات تم من داخل مركز الطباعة بالدار البيضاء، هل من تدابير جديدة لتفادي تسريبات جديدة قد تؤثر على هذا الاستحقاق؟
بالفعل، على ضوء هذا التسريب، باشرت الوزارة تحقيقا على مستوى الإدارة المركزية، تم على إثره تحليل سلسلة نقل المواضيع من الإعداد إلى الإجراء ليتم تحديد النقط الحساسة في هذا التسريب، وهنا يجب الإشارة إلى أننا أخذنا جميع نتائج هذا التشخيص والبحث من طرف المفتشية العامة، كما أعدنا النظر في نظام تأمين الامتحانات برمته على مستوى السلسلة كلها، حيث تم كل هذا بتنسيق تام مع وزارة الداخلية التي دعمتنا كثيرا من أجل تنفيذ هذا النظام الجديد.
* هل تمتلك وزارة التربية الوطنية الأطر الإدارية الكافية لتنزيل هذا النظام الجديد في امتحانات البكالوريا؟
الوزارة راكمت لسنوات طويلة ما أمكن من خبرات لإجراء هذا الاستحقاق الوطني في ظروف ملائمة، ويجب الإشارة هنا إلى أن ما وقع في السنة الماضية عندما تسربت أوراق الامتحانات الخاصة بمادة الرياضيات، إذ لم يتم الأمر بسبب الخصاص في الأطر الإدارية، وإنما بفعل إداري تم التخطيط له بخلفية واضحة لا علاقة لها بمساعدة المترشحين، ولكن من أجل الإضرار بمصداقية المؤسسات، وهو ما يتبين من خلال اختيار الموضوع الذي سرب من حيث حجم عدد المترشحين فيه والذي بلغ 214 ألفا، وكذلك اختيار توقيت الرابعة صباحاً دون أن يترك أي هامش من أجل تغيير الامتحان الذي كان مقررا في الثامنة صباحاً، لهذا أعود للتأكيد مرة ثانية، على أن الأمر لم يتعلق بضعف خبرة الأطر، ولا بالقدرات التدبيرية في الامتحانات.
* بالعودة إلى التنسيق مع وزارة الداخلية، أين يقتصر هذا الدور الأمني؟
التنسيق مع وزارة الداخلية فقط لأن لها وسائل وإمكانيات كبيرة لا تدخل في اختصاص وزارة التربية الوطنية، وبالتالي فإن التنسيق أمر عادٍ وطبيعي.
* أثارت العقوبات الزجرية الجديدة في حالة ضبط الغشاشين جدلا كبيرا وسط الرأي العام الوطني، إذ اعتبرها البعض تجلياً من تجليات فشل منظومة التربية والتكوين ككل، حيث تركتم المقاربة التربوية واستعنتم بالعقوبات الزجرية عبر فرض توقيع التزامات على التلاميذ وأولياء أمورهم؟ ما هو تعليقكم؟
يجب التأكيد على أن ممارسة الغش مس خطير بمصداقية شهادة البكالوريا، بل ومس حتى بالمترشح نفسه الذي نجح بالغش، هنا جرم القانون الغش، ونحن في الوزارة نتعامل مع هذه الظاهرة عن طريق معالجة ثلاثية الأبعاد، منها الجانب التربوي التحسيسي، وجانب ثانٍ يقتضي إجراءات تنظيمية للحد من هذه الظاهرة، مثلاً تم الرفع هذه السنة من عدد الحراس داخل قاعة الامتحان إلى 3، وحصر عدد المترشحين في 20 داخل القاعة.
وهناك أيضاً القانون الزجري، وهو الذي تمت المصادقة عليه بالإجماع الأسبوع الماضي داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال، وهو القانون الذي يُعيد تحديد مفهوم الغش، خصوصا على ضوء التطور التكنولوجيات الحديثة والاستفادة منها في الغش، ومعها نشأت شبكات تيسر الغش من أجل الربح المادي، إذن فالقانون المُتبنى حديثاً أضحى يحدد جميع المتورطين الجدد في هذه الحالات.
* أين يمكن أن تصل العقوبات المنتظرة؟
بالنسبة للعقوبات، فيما يخص قضية الغش في الامتحان فهي تُقسم إلى نوعين، التربوي والقضائي، الشّق الأول يحال مرتكبوه على لجان التأديب لاتخاذ قرارات وعقوبات في حق الغشاش أو الغشاشة، وهو أمر يظل مرتبطا بقرارات السلطة التربوية، السنة الماضية بلغت أقصى العقوبات المنع من اجتياز امتحان البكالوريا لمدة 5 سنوات.
أما مشروع القانون الجديد فيحدد الحد الأقصى في سنتين على مستوى العقوبات التأديبية، أما العقوبات الحبسية فهي محددة للمتدخلين في عمليات الغش، أي للذين يُيسّرونها من خارج المترشحين، وليس بالنسبة للتلاميذ الذين تجري في حقهم عقوبات تربوية.
* هناك من رأى في إجبار المترشحين على توقيع التزام بتجنب الغش، أن فيه نوعاً من الإساءة للتلاميذ المتفوقين. كيف ترد؟
لا أعتقد أن هناك أية إساءة لجميع المترشحين، هو فقط إقرار بتعاقد يجب أن يجمع المترشح بمنظومة الامتحان، ففي السنة الماضية، وعندما صدر قرار الوزير بمنع حيازة الهواتف النقالة داخل فضاءات الامتحان، تبين أن التلاميذ لم يكونوا على بينة بمنطوق وخطورة هذا القرار، لتبين لنا في ما بعد أن مجموعة من التلاميذ سقطوا ضحايا هذا القرار، وهنا يأتي سياق فرض هذا القرار الجديد، ليؤكد مبدأ عدم ممارسة الغش داخل الامتحان، ومن يرفض هذا فهو يرفض قواعد الامتحانات.
* تبين من خلال السنوات السابقة، أن الأستاذ أو مدير المدرسة يكون عرضة للتهديد خلال فترة الامتحانات، خصوصا عندما يمارس عمله بكل حرصٍ وتفانٍ، وهو ما قد يعرض حياته للخطر. هل من تدابير جديد لحماية أطر الوزارة؟
اعتمدت الوزارة في هذا الصدد إجراءات جديدة، منها أنه ولأول مرة ستتكلف وزارة الداخلية بحماية كل المتدخلين في فترة الامتحانات، سواء كانوا رؤساء الأقسام، ملاحظين أو أعضاء في طاقم الحراسة، وذلك حرصاً من وزارة التربية الوطنية على ضمان الأمن لجميع الفاعلين في هذا الاستحقاق الوطني الهام.
عن موقع كشك