تشخيصٌ تفصيلِي جردتهُ دراسَةُ وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعيَّة لواقعِ « العمل » بالمغرب، لدَى الإعلانِ عنْ بدء الإعداد لاستراتيجيَّة وطنيَّة في التشغيل، يوم الجمعة المنصرم، بلفتها إلى أنَّ البطالة في المملكة لا تقفُ عند الحاصلِين على شواهد، وأنَّ الدولة لا تولِي الأهميَّة الكافيَة لعمَّال يشكلُون نسبًا مهمَّة إلى جانبي خريجي الجامعات ومؤسسات التكوين، ممَّا يغدُو معهُ لزامًا إدماجُ كافَّة أصناف سوق الشغل، وعدمِ تصوير البطالة كمَا لوْ أنهَا مرادفةٌ للخريجين.
الدراسةُ التوجيهيَّة التي أعدتهَا الوزارة مع مكتب العمل الدولي والوكالة الإسبانيَّة للتعاون في مجال التنمية، تظهرُ أنَّ المغرب يعانِي هشاشةً كبيرة في ممارسة النشاط الاقتصادي، سيما في القطاع الخاص غير المنظم، وهي هشاشةٌ ترتبطُ أساسًا بالحاصلِين على أوَّل شغل وبالبطالة الطويلة الأمد، خاصَة بين حاملي الشهادات، فيمَا تبقَى نسبةُ تأطير الاقتصاد والمجتمع جدَّ ضعيفة.
ومنْ الأمورُ التي تنبهُ إليها الدراسةُ التفاوتُ بين المشروع المجتمعِي ونظام التربية والتكوين الذي يعجزُ عن تحقيق عمل منتج ولائق، سواء تعلقَ الأمر بمستوى التكوين الأساسي أوْ التكوين المستمر، وهو ما أثَّر سلبًا على قيم السياسات العموميَّة، زيادةً على ضعف ديناميَّة إحداث مناصب عمل منتج ولائق بالنسبة للطلب المحتمل، حيث إنَّ الديناميَّة الاقتصاديَّة التي يشهدها المغرب، لا تحدثُ ما يكفِي من مناصب الشغل لاستيعاب العاطلين عن الشغل، وتلبية الطلب المتزايد على العمل المنتج واللائق، كمَا أنَّ هناكَ إشكالًا آخر في الفرص المتوفرة، هو أنَّ نسبة كبيرة من الفرص الشغل المحدثة سنويًّا لا تتناسبُ ومعايير الشغل اللائق.
علاوةً على ذلك، توضحُ الدراسة أنَّ هيكلة القطاع الإنتاجي المنظم؛ في القطاعين العام والخاص، تبينُ أنَّ إمكانيَّة خلقَ مناصب شغل دائمة، تبقَى محدودة جدَّا، ممَّا يجعلُ التشغيل الذاتِي بمثابة بديلٍ لا محِيد عنه، سيمَا أنَّ طريقة العمل في القطاع العام، والإدارة على وجه الخصوص، تولدُ عوامل خارجيَّة سلبيَّة تضعفُ من ديناميَّة الشغل في القطاع الخاص، وتحدُّ من حمولة السياسَة العموميَّة للتشغيل، وذلكَ بفعل الجاذبيَّة التي تمارسها عقود العمل في القطاع العام، ممَّا يصبحُ معه من الصعب جدًّا تشجيع الشباب من حاملي الشهادات على على التقدم لعروض شغل في القطاع الخاص المنظم، وبدرجةٍ أقل في القطاع الخاص غير المنظم.
في مستوى آخر، تشرحُ الوثيقة أنَّ التواجد الكبير للأجراء غير المؤهلِين والحضور القوي للمقاولات غير المهيكلة يقلل من احتمال تطوير الشغل الجيد في القطاع الخاص، ممَّا يجعلُ من الصعب إقناع العاطل الحامل للشهادة في المغرب بجدوَى التقدم لعمل في القطاع العام، وهُو يدركُ أنَّ عمله لنْ يؤهلهُ اجتماعيًّا، ممَّا يضحِي معهُ إدماج حاملي الشهادات في القطاع الخاص المنظم رهينا بمدَى تأهيل العمَّال والمقاولاتٍ في وضعيَّة هشَّةٍ.
وتقدر الدراسة أنَّ نظام الحكامة الحالِي صار متجاوزًا بالقياس مع الديناميَّة والتعقيد الكبير لسوق الشغل، حيث إنَّ حكامة سوق الشغل تعرفُ تعرفُ قصورًا على ثلاثة مستويات؛ أولها غياب استراتيجيَّة وطنيَّة تؤطرُ التشغيل على المستويين المركزِي والمحلي، ثمَّ عدم تطور النظام الإحصائي بمَا فيه الكفاية للتشخيص، زيادةً على عنصر الخبرة في مقامٍ ثالث، في تساؤلٍ حول ما إذا كان القطاع الوصيُّ والمؤسسات الخاضعة له يتوفرُ على الخبرة الكافيَة من حيث الكم والكيف لتحفيز ديناميّة الحكامة بسوق الشغل.
وإزاء التطور السريع لرهانات سوق الشغل، ترى الدراسةُ أنَّ الحوار الاجتماعِي لا يزَالُ غير مؤسس، من زاوية الممارسة، على اعتبار أنَّ ديناميته لا زالتْ تعتمدُ بشكلٍ كبير على التوقعات السياسيَّة والاجتماعيَّةذات المدَى القصير، كما لا يزالُ وثيقة الصلة بنظام الحكامة على المستوى المركزِي، دون مناقشة القضايا التي ستطرحُ مستقبلًا.
عن موقع: هسبريس